الأربعاء، 18 أبريل 2012


قصـــــــــــــــــة بعنــــوان / زائــــــر غــــريـــــــب

من زرقاء اليمامة المصرية في 17 أبريل، 2012‏ في 02:18 صباحاً‏ ·‏
بسم الله الرحمن الرحيم
*******************
قصة قصيرة
**********
زائر....غريب
____________
كنت في إحدى الليالي المقمرة...أسير بسيارتي في طريقي من الأسكندرية إلى كفر الشيخ......حيث استدعاني والدي لأستشارتي في قضايا تخصه مع خصوم له في البلدة.....وبما أن تلك الخصومات كبيرة وطويلة الأمد..من أجل أراضي زراعية فيها تنافس على الملكية بها....وكان من الضروري ...أن ألبي دعوته...بما أني حاصل على الدكتوراة في القانون الجنائي.....فوالدي يتصورني أني واضعا للدساتير كلها والقوانين العالمية........هذا شعور والد يفخر بإبنه.
و..أثناء مروري بقرية تدعى الخزان....بجوار شريط السكة الحديد.....كنت أستمتع بمنظر الريف الليلي...كنت أرى من مسافة قريبة ..عدة أمتار فقط بيوتا تعيش بالقرب من السكة الحديدية....رأيتها بيوتا هادئة...فيها بصيص من النور......أحسست بغيرة من جمال البيوت الهادئة ...ومن السكون والألفة التي يعيشون فيها وأفتقدها أنا...وغيري في الحضر.
وبدأت اهدئ السرعة لأستمتع أكثر بهذا المنظر....وقمت بتشغيل الراديو....وكانت صدفة أن أسمع أغنية لآم كلثوم.......أسمها شمس الأصيل.
كانت أغنية قديمة.......ولكنى أحس أنها جديدة.....فيها جمال فيتجسيد النيل وغروب الشمس...وهنا أحسست أنها تلائم المنظر الذي أراه.....يجوز أنها تختلف قليلا...ولكن هذا كان شعوري.
وتمنيت أن أقضي ولو ليلة واحدة في هذا الجو الجميل بين أحضان أسرة تنعم بالرضا والهدوء,,,كانت أمنية وليدة اللحظة.
وكأن الله استجاب لأمنيتي...نظرت على خزان الوقود...ووجدته.أوشك على الأنتهاء...خفت أن أكمل الطريق بعيدا عن العمران وينفذ مني الوقود ولم أجد من يسعفني به...أو أن أتعرض للسطو.
أضطررت للوقوف ..انتظر سيارة أو ..أبيت إلى الصبح.
وبعد قليل راودتني فكرة...ولما لا ...نعم هي أن أطرق أحد أبواب  هذه البيوت وأقضي ليلتي بها.!!!
ولم أتردد...أخذت حقيبتي و أغلقت السيارة جيدا.....وتخطيت السكة الحديد وطرقت  باب أول بيت أمامي.
وسمعت صوت رجل عجوز يسألني من أنت؟
وأجابته بأني عابر سبيل....وبدى لي أنه لم.يفهم معنى عابر سبيل...أو....يستنكرها .
فقلت له أني احتاج مساعدة....وأنا غريب عن المنطقة.
وسمعت صوت إمرأة عجوز أيضا تحدثه...وتحثه على أن يفتح الباب...والرجل متردد في الإستجابة لطلبينا.
وأخيرا فتح الباب.......وكان شكله يدل على غير ما كنت أتوقع تماما.....رجل بالي الثياب..أكل الفقر منه راقات من جلده وعمره.....مقضب الحاجبين.........لو رأهم رضيع ،لشاب في الحال.
كدت أتراجع عن الدخول في بيته...ولكن نظرة المرأة العجوز دعتني بترحاب للدخول.
ولبيت....نظرت إلى البيت من الداخل نظرة عابرةز..لأعرف أين وقعت..أفي خير...أم...شر......وأخذت طابعا سريعا عن هذا البيت .ألا...وهو الفقر  و همومه.
..نعم لقد رأيته يخيم شبحه على المكان. ويرسم لوحة البؤس على جدرانه وملامح العجوزين.
حدثتني نفسي أن أكمل الخوض في هذه التجربة.
وفي وسط البيت رأيت كتكوت بط...يجري وحيدا...ليلحق بأمه...ودهشت من أنه وحيد...ألهذا الحد..يتمكن الفقر منهم ليلحق بالطيور؟!!!!
ووجدت العجوز تبتسم..وقد فهمت نظرتي فقالت:
ماذا نفعل لهذه البطة...هي أسرعت على الرقد علي البيضة الوحيدة لها...أول مرة يابني ترقد..لسة جديدة على الأمومة.
...أدخل أستريح هنا.
وأشارة على أريكة جميلة...ونظيفة بجوار المدخل تماما....وكأنها تقول لي أنت ضيف لم نعرفك حتى ندخلك في أعماق البيت...ويكفيك أنك في مدخله.....هذا حقها...ماذا تعرف هي عني؟
أنا غريب....وجلست بجوار الشيخ , وبدأت أعرفه على نفسي,.
* أنا محمود عارف.....دكتور..((((( ولم أكمل الجملة حتى انشرح قلبهما...وتغيرت تقاسيم هذه الوجوه...))))..نعم هي وجوه تبحث عن أمل.....و وجدته في تعريفي.
وجذبتني العجوز إلى غرفة صغيرة جميلة منسقة.....وبها فتاة في العشرين من العمر ترقد على سرير نحاسي.
والعجوز تردد....دكتور الحمدلله ..دكتور؟ّ!!! يا مجيب الدعاء يا رحمن يارحيم...تعالى يابني...ربنا هو الذي أرسلك لنا...هو يعلم حالنا....وليس لنا غيره.
سمعت كلامها وطاوعتها رجلي...ورأيت الفتاة.....وما إن رأيتها حتى قفز قلبي مني....كانت جميلة جدا.........ولكن آسفت لأنها في شبه غيبوبة......نعم لقد كسرت قدمها الليلة ولم يجدوا طبيبا لها...وأخذت مسكنا عاديا إلى الصباح ولكن الحالة تدهورت وهما عاجزان عن التصرف...وهذا كان سبب حزنهما....ولطريقة مقابلتي أول الأمر.
حاولت أن أوضح لهما أني دكتور في القانون....ولكنهما لا يعطياني فرصة التوضيح’وطبعا لا يعرفا معنى دكتوراة في القانون.
وفرت على نفسي الشرح...وقمت بكشف رجلها....وحاولت أن أجبرها حسب خبرتي من إحدى دورات الصيف وأنا طالب في الجامعة.
وجلسنا خارج غرفتها ...وفهمت من حديث الجدين...أن اسمها سمية وهي بنت ابنهما المتوفي ......وهي تعيش معهما منذ أن صرعا والديها في حريق شب بالبيت منذ ما يقرب العشرة أعوام.
وانها تركت التعليم الجامعي من أوله....ولم أتطرق لمعرفة السبب..لأني كنت مجهدا..وخائفا من طريقة علاجي لها..أن تصيبها بمكروه......وسرعان ما طلع الفجر،وأنا جالس على الأريكة.
وخرجت من البيت متسللا...وأشرت إلي سيارة تقلني لأقرب محطة وقود وأخذت جالونا منها...ورجعت إلى سيارتي وملأت الخزان...وركبيت سيارتي إلى كفر الشيخ،...وطيلة الطريق لم تفارقني صورتها.ولا أنينها،وكنت أستغرب حالي كيف عالجتها ،وكيف تغير قلبي القاسي الذي عاش في عمري كله الذي تخطى الخامسة و الثلاثين، إلى قلب رحيم يشارك مآسي الأخرين ؟!!!!
ووصلت البلدة و رحب بي أبي والعائلة والمعارف.....وجلست مع أبي ليوضح لي أمر استدعائي جيدا.
وكان الأمر هو أختلاف بين أبي وجاره على أرض شفعة,,,كل منهما له حق الشفعة فيها....وكل متمسك بها......وصاحب الأرض مسرورا..لأن سعرها يعلو بسبب تنافس أبي وجاره عليها.
جاءتني فكرة لتحل هذه المشكلة....وعرضتها على أبي..وذهبت بنفسي لأعرضها على جارنا، الذي بدوره لم يصدق أني أفعل الخير ، وأتنازل عن ملكية الأرض بسهولة،,,ولكنه كان ذو فراسة.....إذ نظر في عيني وقال:
==محمود يابني...أنت لست محمودا الذي أعرفه...لقد تغيرت كثيرا!!!!
** أبدا يا عماه..أنا لم أتغير، ولكني أحس أن علاقتك بأبي ساءت كثيرا، فأردت مصالحتكما سويا.
==أني في غاية الدهشة والعجب من أمرك ؟!!!أتتنازل عن الأرض لبناء مسجد يجمع اسمي باسم أبيك؟....هذا عجب العجاب.
** ولما لا؟...أعملوا الخير لأخرتكم...وأنتما تمتلكان كثيرا من الأراضي فلا عوز لكم في تلك.
== صدقت يا بني...ولكن أريدك تصارحني....ما سر تغيرك هذا؟!!!
** وجدت أناسا فقراء ، يسعدهم القليل من المال..والرضاء أساس عيشهم، فقلت لما لا نقتدي بهم، حتى نحس السعادة مثلهم.
== حقا.تنقصنا السعادة والألفة القديمة....الجشع أكلنا يا بني.
** نعم يا عماه...وحان الوقت لنرى الدنيا يعيون جميلة راضية.
== أتصدقني يا بني، أني فرح بقولك لي يا عماه!!!
( وهنا تبسمت خجلا منه...وأمسكت يده وضممتها إلى صدري، وقلت له : أني لم أنس أبدا أنك من نفس عائلتي ....وفرح الرجل ورأيت في وجهه رجلا أخر...ياليتني عرفته من زمن))
وأتفقت مع أبي على أن يطيع جاره ...وأن يعيش بقية عمره محافظا على صلة الرحم...
زيارتي تلك استغرقت أسبوعا......خلاله لم تفارق صورة سمية عقلي وتحدث أبي عن زواجي وأنه لم يعد يصبر على ذلك...وأنا ابنه الوحيد.....وعرضت عليه رغبتي أن أتزوج من فقيرة......ولم يعارضتي على غير عادته....لأنه يأس مني في هذا الموضوع خاصة،وقال لي المال عندنا والحمد لله، المهم انها تسعدك....طرت فرحا وقررت العودة إلى الأسكندرية
....وفي طريق العودة لمحت.بيت سمية......فركنت سيارتي  في نفس المكان السابق ...وطرقت الباب برفق...وسمعت صوتا جميلا يقول لي.:
.أدخل يا علي ، الباب مفتوح.
ودخلت بلا تردد..ووجدت سمية الجميلة تجلس على نفس الأريكة التي كنت عليها منذ أسبوع، ولم أتفوه بكلمة...ولكنها هي من تكلم وقالتك
== علي!!!! لما تأخرت علي.؟.
...أيعجبك الآن أني أنتظرك جائعة ولم أتناول دوائي للآن؟!!
رد يا علي؟
......ومدت يدها بعلبة الدواء لآصبه لها ...وكانت يديها تتأرجحان وتلتمسان موقعي....ودهشت ...نعم إنها ضريرة...عمياء....ويدخل علي علينا ويكلمها ويسألها عني،,,,وهي لا تعرف أساسا من أنا،.....فتكلمت لأطمئن قلبها...وفرحت بي كثيرا عندما عرفت أني أول مداوي لها.
أما أنا،..كنت أتعس البشر ،
....وحدثتها عن رجلها وقول الطبيب فيها...وهي استمسكت بيد علي أن يجلس بجوارنا......وعلمت منها...انها تركت الجامعة بسبب فقدان البصر..وأن العملية تحتاج إلى كثير من المال..وعجز الجد عنه...وكذلك خطيبها.
حزنت أكثر، لأنها من نصيب رجل أخر......وبعد وقت سمعنا أذان العصر...ووجدتها تتحرك بعيدا عني.متوجهة إلى القبلة لتصلي.
لم أقطع صلاتها...ولكني خرجت بصحبة الطفل علي.....ليرشدني إلى المسجد.....وبعد الصلاة ،أشار علي على شاب وفال لي:
...خطيب سمية ..أنه محمد ..مدرس اللغة العربية.
ولم أقترب منه ولم أسلم عليه، لا أدري أغيرة منه؟!!
، أم حقدا عليه لأنه امتلك سمية ، وأنا يا من أملك الأراضي والعقارات والمنصب، لا يمكني ذلك.
وقررت قرارا مهما.....أني أتوجه لآقرب بنك وجدته بالرحمانية ، وهي أقرب مدينة لها...وصرفت مبلغ العملية الجراحية لسمية، مضاعفا لكي يلبي بقية احتياجها..وعدت إلى بيتها وتركت المال بجوارها، وهي لا تدري عنه شيئا...وأمنتها أن تبلغ سلامي لجديها بعد رجوهما من الأرض الزراعية.
وقلت لعلي:
قل للحاج أن يقوم بإجراء العملية فورا...ويزوجها من خطيبها بعدها مباشرة...أبلغته أن يهتمم بتكملة تعليمها الجامعي.
ورجعت إلى الأسكندرية...كنت أحس أني أفتقدت غاليا...ولكن يرتاح قلبي أني ساعدتها....ويكفيني أني أحببت الحياة في شخصها هي.
ومرت الأيام والليالي ..وأنا كالعادة منهمكا في عملي كمحامي ....وحاولت التعرف على زميلات لي...ولكن قلبي تعلق بسمية...وراودتني نفسي أن أزورها،...وبالفعل جهزت حقيبتي لزيارة أبي مارا بها،...ونزلت بيتها...وطرقت الباب فتحت لي العجوز مبتسمة ومرحبة بي.....وسألتها عن الحاج وسمية ..ونادت عليهما..ورأيت سمية،...نعم رأيتها،...
رأيت الجمال مجسدا في شخص فتاة واحدة،...وتحسرت نفسي....ولكن سرعان ما تحول لسرور ، خاصة عندما وجدتها تبتسم وترى بعينيها من حولها
.وهي الأخرى رحبت بي.
وسألتها عن خطيبها...وعرفت أنه أصبح زوجها، وختمت زيارتي لهما بالتهنئة...ولم أعلن عن شخصيتي كلها..تفاديا أن تعرفني وتجدد ألمي برؤيتها بعد ذلك
وخرجت ...لم أخرج كاملا....بل تركت قلبي معها...............وأكملت مشوار حياتي الرتيبة ، وكان الجديد فيه...هو عمل الخير...تعلمت من أسرة فقيرة درسا ..جعلته شاغلي طيلة حياتي.
ومرت سنوات خمس.....والتقيت بدكتورة كانت تناقش رسالتها في القانون أيضا ....كانت دعت صديق لي وصاحبته انا إلى القاعة...أول  شئ لا حظته فيها...أنها تشبه سمية كثيرا..ومع اختلاف الروح طبعا...ولكن استطاعت أن تعوضني عنها...وأحببتها حبا شديدا...وكنت أظن أني لا أحب بعد سمية..
...ولكن هذه حكمة الله .....وكانت منى زوجتي خير عون لي في الحياة، واستحوذت على حب أبي والعائلة..
.نعم هي طيبة والكل يحسدني عليها......أني أحبها ، و أحب أولادي منها.
****************  salma......تمت*********((( زرقاء اليمامة المصرية ))

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق