الأربعاء، 18 أبريل 2012

قصة ...((( أزهار البنفسج..)))



جلست جلستي المعتادة عند إحدى طرفي طاولة الطعام التي تمتد حوالي المترين ...وعلى الطرف الأخر يجلس زوجي ......وبدأنا تناول الطعام . نظرت إلى وجه زوجي...لقد تغيرت ملامحه في أسبوع واحد غبت عنه فيه...و سألت نفسي:
هل يتغير الإنسان في مدة بسيطة كهذه؟!!!
لقد رسمت الأيام رتوشا خفيفة على وجهه الجميل....بعض بياض الشعر على جانبي وجه...وخطوطا عريضة فوق الجبهة....وبعض التجاعيد التي رأيتها من جوانب النظارة السوداء ...وخشونة الصوت...................أيحدث هذا في أسبوع؟.!!!
.
أم أني أراه بعين جديدة؟
هذه الرتوش والتغيرات البسيطة كانت رسالة لي من الزمن....وقرأتها...إنه يقول لي:..
.
أنظري إلى المرآة...لقد تغيرتي أنت كذلك........لقد تغيرتي يا عزيزتي...فأنا بارع في الرسم أكثر منك...لقد رسمت عليك نفس الرتوش وبنفس الألوان...ولكنك لا تشعرين بها..لأني أرسمها ببطء شديد...وبخفة لا يضاهيني فيها أحد.
لقدخفت من هذه الرسالة ،ولم أحاول النهوض أو الذهاب إلى المرآة لأرى الرتوش أو أقرأ الرسالة ....فقطع حديث النفس هذا صوت الشوكة والسكين في طبق زوجي معلنا بهما وجوده و أن أبدا في الحديث معه.
بدأت الحديث بقولي:
=
زوجي العزير:
لقد اشتقت لهذا اللقاء الروتيني......وما كنت أظن أن أشتاقه بعد غياب أسبوع واحد فقط....أني أعتدت هذا البيت الجميل وحديقته الغناء....وأكثر ما أعتدته وأشتقت إليه....هو أنت أيها الزوج الجنون.
غبت عنك مضطرة....سافرت إلى بريطانيا لمراعاة إبنتنا الوحيدة أثناء الوضع .....والحمدلله ، لقد رزقت بمولود جميل يشبه جده....يشبهك يا زوجي الجميل.

*
صفيه لي يا سلمى ؟
=
وجه جميل ..عيون بنية ...شعر أسود كسواد الليل الحالك.....ونفس الأنف الجميلة مثلك يا عزيزي...............................و أطلقت عليه أسمك .....أناديه ب محمود.

*
أرجو أن يكون محمودا حقا......كنت أود إحتضانه بين ذراعي.
=
لا تقلق يا عزيزي ........كلها أيام وترجع به إبنتنا إلى مصر لقضاء العطلة .

*
تعلمين يا حبيبتي أني أخاف السفر...وأخاف عليها كذلك من السفر.. ..كنت قلقا عليك في ذهابك وإيابك.....خفت أن يصيبك حادث ، كما أصبنا من قبل،..........عود حميد يا زوجتي الغالية.

=
لا تذكرني بالحادث .......لقد نسيته.

*
أتكذبين علي ؟ أم على نفسك...........؟!!!.....لقد ترك آثارا بشعة علينا،.....أصاب رجلك بعاهة مستديمة، تجعلك تعرجين،....وأصابني بالعمى ،....كيف ننساه يا سلمى؟!!!

=
لا..لم أنساه...ولكني أردت نسيانه....وخاصة أننا تعودنا على هذا الوضع منذ عشرة أعوام.

*
مرت عشرة أعوام يا سلمى ؟......مرت بطيئة ....ولكني أحمد الله تعالى أن لي رفيقة مثلك..لم تشعرني بعجزي هذا.

=
هيا بنا إلى الحديقة..أني مشتاقة إليها...لقد أتيت من السفر ليلا ولم أر جمالها بوضوح.......أريد أن أرى الورود التي زرعتها قبل سفري ، وهل أعتنى بها البستاني...في غيابي؟..أم أهملها.

*
لا تقلقي يا حبيبتي...كانا يرعاناها جيدا.
=
من هما؟..أني أتكلم عن البستاني....وليس لدينا إلا واحدا.

*
أعلم ولكن في غيابك قام البستاني الجديد برعايتها، لأنه كان يراك فيها ، ويشم عطرك في عطرها........إنه بستاني خاص لك ، يحبك وأنت أجمل أزهار حدائقه.

=
قمت أنت برعايتها في غيابي؟..وكيف؟.....أتمزح معي؟

*
كلا...والله ما مزحت في قولي هذا،..أني بالفعل قمت بغرس بعض الورود أتى بها البستاني من المشتل، حسب طلبي.

=
لقد أثرت شوقي لرؤيتها...وأني أقر من قبل رؤيتها أنها أجمل أزهار الحديقة كلها.

*
لا تبالغي قبل رؤيتها...أتصدقين إن قلت لك ، أني لم أطلب من البستاني وصفها لي من بعد غرسها؟
=
لما يا حبيبي؟....فأنت تحب أن نصف لك الحديقة وكل جديد فيها يوميا وبإستمرار؟

*
نعم...أنت تصفين لي.....أشعر بروحك هي التي تصف،....و هذا أجمل مافي الوصف يا حبيبة القلب...ولا أريد غيرك واصفا لي.
=
فهمت .....هيا لنرى هل البستاني الجديد كان بارعا.....أم..........( ضحكات متبادلة )

*
سلمى....أشم عطر الزهور التي غرستها من أجلك ...ألم تلاحظيها بعد.؟
=
أني أقف بجوارها ...أنت غرستها بالقرب من مجلسنا ......إنها جميلة حقا.

*
صفيها لي يا سلمى؟
=
زهور البنفسج.....على شكل كومة كبيرة.....و في الوسط ورده بيضاء فقط......جميلة المنظر يا حبيبي.....................ولكن كيف تخيلت هذا المنظر الجميل....؟......ولما هي وردة بيضاء واحدة؟

*
أولا/ ليس بغريب بمن يجاورك أن يستشعر الجمال ولو كان أعمي مثلي،..
.
ثانيا/ الكومة البنفسجية هي همومي الكثيرة ، وأما الوردة البيضاء..فهي أنت يا أملي ويانور الحياة.
=
كم أنت جميل يا زوجي الحنون.، أنت كنت وما زلت شمس حياتي، بدفئها ونورها ،حفظك الله لي.

*
كنت أخشى الموت في غيابك، وتمنيت عودتك سريعا،لكي أموت بين يديك في هذه الحديقة الجميلة التي شهدت أجمل أيام عمرنا،أتذكرين يا سلمى قديما، كنت تقومين برسم لوحاتك وتسأليني عن رأيي فيها، وكنت أخذلك وأقول لك أنا أعمى ، لا أرى للوحاتك جمالا ؟

=
نعم أتذكر هذا، وكنت أغتاظ منك وأرميك بالفرشاة..........( يعلو صوت الضحك )
لماذا تتذكر هذا الآن؟......ماذا وراءك يا عزيزي؟

*
ورائي وداع، ورائي موت يا حبيبتي، فراق طويل ، ولا أعلم متى نلتقي ثانية.

=
محمود : أتستر عني خبرا أو أمرا فاجعا؟...قل لي ؟

*
حبيبتي ...أصابتني نوبة قلبية أثناء غيابك عني.......ولا أعرف لها سببا ...وأتاني الطبيب وتخوف منها...وأظن أنها إذا أتت ثانية سيكون فيها الفراق.

=
متى؟..وكيف؟.....ولما لم تخبرني بالهاتف؟
*
أردت ان تستمتعي بوقتك مع أبنتنا والحفيد....وسعدت جدا لأنك أخترتي اسمه بنفسك.
هيا أجلسيني على الكرسي فأنا تعب للغاية..وكنت أقاوم من أجل إسعادك...وتمنيت أن يطيل الله في عمري حتى تصفين لي الحديقة بأزهارها الجديدة التي غرستها بنفسي من أجلك.

=
تعالى....لأ لن أجلسك على الكرسي، سنفترش الأرض سويا....ونحكي ذكرياتنا كسابق عهدنا، ونستمتع بيومنا إلى أخر لحظة فيه.

*
سلمى......إني أشعر بدنوه...أميز رائحته من بين روائح الزهور...إنه أت يا سلمى.

=
لا تقل هذا يا عمري...............لا تتركني وحدي هنا......لا حديقة بعدك...ولا شمس.

*
لقد تركت لك أزهارا تذكرك بي العمر كله، إنها أزهار البنفسج التي دوما أعشقها....وأعلم أنك ستراعينها من بعدي....حتى تكسو الحيقة بها.

=
أرجوك لا تردد عباراتك هذه، عش وقتك معي جميلا.

*
عشته والله يا سلمى.....وحزنت أن أفارقك ، لأني أعلم أن فراقي لك مريرا.
=
وأي مر هذا......إنه أمر من الصبار والعلقم.

*
سلمى: أحكي لحفيدي عنا...وعن أجمل زوجين ..وأسعد حبيبين عاشا الحب كله في بيت جميل بين أزهار حديقة غرسا أزهارها وأشجارها بأيديهما.

=
سأحكي له عن أجمل فارس عاش عمره في خدمة أميرته،....وعن رجل سيد الرجال وأعظمهم، وعن جد حلم بإحتضان حفيده ولم يستمر حلمه إلا ثمانية أيام فقط.

*
لكنه حلم جميل يا سلمى....تمنيت أن أعيشه عمرا كاملا...ولكن هذه إرادة الله...ولا محال.
=
أيها الفارس...أنويت وعزمت على ترك أميرتك؟!!......أرضيت لها بالموت قهرا عليك؟ وأنت تعلم أن لا حياة بعدك.

*
عيشي أميرتي من أجل حفيدنا...حفيد يحسده الناس بكونك جدته.

=
وهل تظن أن بعدك حياة؟.......خذني معك...لن أتركك تذهب فردا منفردا.

*
ليت الأماني تتحقق....كنت لازمتك للأبد...ولكن...أسترسلي حديثك عن الحديقة ، صفيها لي لأخر مرة، رجاءا.

=
حبيبي الحديقة أظلمت ...والشمس تغيب مبكرة في أول النهار...هي على موعد في الجانب الأخر....أراها تسافر بلا عودة،..والآزهار تذبل وتصرخ وتنعيها.
بئر الحديقة يجف يشتكي نقص الأوكسجين به.والماء........أختفت الألوان كلها ، لم يبقى إلا اللون الرمادي، الأشجار أقتلعت من جذورها وأصبحت الحديقة خاوية تماما من كل حي، ما بقي فيها إلا كراسي جلستنا فقط...وجسدين أحدهما رحل...والأخر يحتضر.
هذا الموقف الوحيد الذي تخليت عني فيه...............وأعلم كل العلم أن الأمر ليس بيدك.
أني شممت رائحة الموت كما قلت لي يا فارسي.......وسكتت أنفاسك العطرة، ...لن أنساك أبدا ما حييت...............وسأرعى أزهار البنفسج حتى أخر لحظات عمري

*********************** 
زرقاء اليمامة المصرية




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق